تعليقاً على مقال موقع جريدة The Spectator البريطانية في 13 أبريل 2013م بعنوان:
" ريتشارد دوكينز قد خسر: قابلوا الملحدين الجدد : الجدد !! "(1)
أو Richard Dawkins has lost: meet the new new atheists
للكاتب ثيو هوبسون Theo Hobson
فالإلحاد الجديد New Atheism هو مصطلح انتشر استخدامه بكثرة من بعد استغلال الملحدين لهجمات 11 سبتمبر الشهيرة والإنطلاق منها في موجة تجتاح العالم شعارها (شيطنة الأديان) ومنهجها هو (الدعوة للإلحاد) في مقابل خلع كل شرور العالم ووضعها في رقبة الدين (أي دين)، مما صنع لوناً جديداً من الإلحاد يخالف ما كان معروفاً من قبل منذ الثورة الفرنسية في أوروبا.
الغريب هنا أنه كلما زاد الشيء عن حده انقلب ضده (وكما في أمثال الناس الدارجة)، ولذلك فإنه مع إصرار الملحدين الجدد على إثارة معارك وصراعات فكرية (جريئة) مع الأديان لا لغرض التعايش معاً (وهو ما لم يكن يحلم به الملحدون القدامى العدميون والوجوديون والعبثيون) وإنما لغرض (إقصاء) الأديان والمتدينين من الحياة !! فإنه قد اضطرهم ذلك إلى الخوض في نقاشات وحوارات ومناظرات تمس أعمق نقاط ضعفهم المادي والإلحادي وتكشفها في مقابل تفوق الأديان فيها (مثل مسألة انعدام المرجعية الأخلاقية أو الصواب والخطأ أو الجرائم الإنسانية أو الجبرية السلوكية أو الجرائم الأخلاقية في عرف أكثر الناس مثل الاغتصاب والخيانة الزوجية وزنا المحارم وجماع الحيوانات) وهو ما جعل من الواضح جداً السقوط الوشيك والانهيار السريع لموجة الملحدين الجدد من بعد ما كان يظن أكثر المخدوعين بهم أنهم وصلوا إلى القمة بسبب الزخم الإعلامي الذي أكسبهم وكتبهم المثيرة للجدل بقاءً أطول على الساحة والأخبار.
وفي المجمل: يذكرنا هذا المقال بمقال آخر شهير في 21 مارس 2008م للصحفي الأمريكي الشهير كريس هيدجز Chris Hedges رئيس مكتب جريدة نيويورك تايمز في الشرق الاوسط والبلقان سابقاً، والذي كان بعنوان:
" الإلحاد الخطير لكريستوفر هيتشنز وسام هاريس "(2)
The Dangerous Atheism of Christopher Hitchens and Sam Harris
حيث استعرض فيه الكاتب مقتطفات عديدة من كلمات وكتابات أشهر الملحدين الجدد مبينا مدى التطرف الفكري الذي احتوته (وخصوصاً دعوة سام هاريس في كتابه "نهاية الإيمان" إلى قتل المسلمين)، حيث أظهر التناقض الصارخ عند الملحدين حيث تراهم ينتقدون التعصب الديني والفكر الإرهابي والقاتل والدموي لإقصاء المخالف في الفكر أو العقيدة، ثم تجدهم هم أنفسهم لا يبالون بفعل ما كانوا ينتقدونه إذا أتيجت لهم الفرصة لإبداء الرأي أو تخيل انتقال القوة والسيطرة إلى أيديهم.
فمثل هذه الآراء التي كشفت تناقضات ووحشية تفكير الملحدين الجدد؛ هي التي ساهمت في سرعة تداهيهم وسقوطهم بهذه الصورة في السنوات الأخيرة، حيث صار الكثيرون -كما قلنا- يتبنون فكرة مهاجمة وردع (المذهب الدوكينزي) إن صح التعبير، حيث لم يروا مجالاً في الإنسانية لتقبل مثل هذا (الإلحاد الشرس) بين جنباتها ليزيد صراعات العالم صراعاً لا قيمة فيه ولا مرجعية ولا غاية يمكن الوقوف عندها.
وكان من أولئك المحاربين لريتشارد دوكينز وأمثاله هو الصحفي اللاأدري أندريو براونز Andrew Brown الكاتب في جريدة الجارديان، وكذلك الكاتبة المحايدة كارين أرمسترونغ Karen Armstrong، وأيضاً الفيلسوف الملحد جون غراي John Gray الذي يعرف لوازم ومعنى الإلحاد جيداً (مثل نفي الثقة في العقل والتفكير ونفي الإرادة الحرة في السلوك وكذلك نفي المرجعية الأخلاقية والصواب والخطأ) ولذلك فهو ينتقد بشدة نفاق الملحدين الجدد الذين يتلاعبون بالمفاهيم ليظهروا بمظهر المقبولين أمام الناس، حيث انتقد الكثير من ادعاءاتهم التنويرية بالفعل مثل قولهم أنهم "يؤمنون بالعقل"، بل وهو يعتبر "المذهب الإنساني" مجرد تقليد للدين من الملحدين، وقد ألف في نقد ذلك كتاباً بعنوان: "كلاب القش: أفكار عن الناس والحيوانات" Straw Dogs: Thoughts on Humans and Other Animals، والذي وصفه الناقد تيري إيغلتون Terry Eagleton بأنه كتاب يروج للعدمية.