(من كتاب قطيع القطط الضالة : بين تناقضات دوكينز ومغالطات هيتشينز – سامي أحمد الزين – مركز دلائل – الطبعة الأولى 1437هـ/2016م)
– إن من علامات عدم الصدق التي نراها كثيراً عند ملحدي هذه الأيام هي التفكير بالطريقة التي نقلها دوكنز في وهم الإله عن ممثلة ومؤلفة أمريكية تدعى جوليا سويني (Julia Sweeney)..
فحسب دوكنز فإن المفترض بتلك القصة أن تكون مضحكة مؤثرة وملهمة. لكن الحقيقة أن فكرتها مضللة جداً ومنافية للمنطق السليم إلى درجة الفجاجة..
تحكي تلك الممثلة أنه في أحد الأيام انتابها شعور مفاجئ أن الله غير موجود. تصارعت مع الأمر قليلاً مستخدمة اللا منطق التالي:
” لكنني لا أستطيع. لا أعرف إن كان بمقدوري أن لا أومن بالله. أنا أحتاج إلى الله، أعني أن هناك تاريخاً يجمعني به”..
” لكنني لا أعرف كيف أتوقف عن الإيمان بالله، لا أعرف كيف تفعل ذلك. كيف تستيقظ وكيف يمر عليك يومك “..
إلى أن (اعترفت) أنها تساءلت بينها وبين نفسها بهذا التساؤل الذي كان مخجلاً بالنسبة إليها:
” كيف تبقى الأرض معلقة في السماء هكذا؟ تعني أننا نندفع متجولين في الفضاء فحسب؟ ذلك وضع هشّ للغاية! ”
إلى أن وصلت إلى النقطة الحاسمة:
” ثم تذكرت؛ آه أجل الجاذبية والعزم الزاوي سيبقياننا في حالة دوران حول الشمس وعلى الأرجح لمدة طويلة جداً”.
إن الفهم السقيم الذي يحاول بعض الملاحدة نشره هو أن نفي وجود الخالق (أو مجرد تدخله) يمكن أن يكون بشرح الآلية التي يعمل بها شيء كان يقال عنه إنه من صنع الله، فإن استطاع شخص فهم القوى الفيزيائية المؤثرة على بقاء الأرض أو القمر أو غيرهما في مدارات محددة قال: هذا ما يبقيها إذاً وليس الله كما كنت أعتقد!
سؤالي هو: بماذا كان يعتقد قبل ذلك بالضبط؟ هل كان يظن مثلاً أنه إذا بحث المسألة علمياً كان سيجد دليلاً على أن الملائكة هي التي تقوم بدفع كل نجم وكل كوكب في مداره الخاص به؟! أنا أحاول بصدق أن أتصور فهمهم السابق قبل اكتشافهم العظيم. ” كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ” [العلق: 6- 7].
* إن النتيجة الحتمية لمثل ذلك التفكير المُغرق في السطحية وقلة الفهم أو بالأصح عدم الرغبة في الفهم ربما بسبب عدم الاكتراث؛ هي أن يكون لدينا عبارة مثل: (نحن لا نحتاج إلى وجود إله) لأن كثيراً من الأمور التي كنا نظن أن الله هو مَن يحكمها أثبت العلم الحديث أن قوانين الفيزياء هي ما تتحكم بها وليس الله.
لو أن شخصاً أسس شركة ما ووضع لها نظاماً إداريّاً معيناً فإن من البدهي أن نقول إنه كلما كان ذلك النظام فعالاً ومتناسقاً قلّت الحاجة إلى تدخل مباشر من واضع النظام. ولو احتاج الموظفون والمديرون في تلك الشركة إلى تدخل المؤسس في كل صغيرة وكبيرة لما كان لذلك النظام فائدة تذكر، وكانت الفوضى هي التي تحكم. والأمر ذاته ينطبق على الآلة التي لا تعمل إلا بتدخل بشري مباشر طوال الوقت.
ذلك هو الحال مع شركة يؤسسها بشر وآلة يخترعها إنسان، فكيف حال الكون الذي أوجده رب البشر ووضع قوانينه خالق كل شيء؟.. الله تعالى وضع قوانينَ ونواميسَ تحكم الكون، ولا أدري كيف يستدل البعض بوجودها على عدم وجوده!
لا يعرف البشر إلا الشيء القليل عن أسرار هذا العالم (ناهيك عن الكون). ثم إن جهل الإنسان بالطبع يزداد ويتضاعف إلى أن يكاد يصل إلى درجة الجهل التام إذا ما تعلق الأمر بتفاصيل الطريقة التي يدبر بها الخالق أمر هذا الكون. كل ذلك يجعل من عبارة مثل (الكون لا يحتاج إلى إله) عبارة سخيفة إلى درجة الإسفاف. “يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ” [الروم: 7]، ولعل الخطأ الأكبر الذي يقع فيه قائل تلك العبارة هو أنه يحكم بعدم حاجة الكون إلى وجود إله دون أن يكون لديه أدنى تصور للكون الآخر الذي يحتاج إلى وجود إله. كيف يحاول فاقد الخيال أن يتصور ما وراء الطبيعة؟