أسئلة بلا جواب ...

أسئلة بلا جواب...
(من كتاب الرجل ذو السروال الأحمر : حوار عقلاني من الإلحاد واللادينية إلى الإسلام - عبد الرحيم جرين - مركز دلائل - الطبعة الأولى 1437هـ/2016م)

لماذا يوجد معاناة في هذا العالم؟
إذا كان الخالق موجوداً فكيف يسمح للأمور السيئة أن تحصل؟
ما هو الهدف من الحياة؟
لماذا نحن هنا، وما هو السبب وراء وجودنا، وإلى أين نحن ذاهبون؟
هل هناك حياة بعد الموت؟
هل هناك طريقة لنعرف أكثر عن الخالق؟

ليس أمراً غريباً أو غير اعتيادي أن يتوقع المرء أن الذي خلق هذا الكون سيعطي نوعاً من الهداية في الأمور، بما أن الخالق قد أوجد أموراً تلبي كل احتياجاتنا، الجسدية والعاطفية. نحن نشعر بالجوع ونحتاج الغذاء لنستمر، وكل الوسائل لتلبية هذه الحاجة متوافرة، نحن نعطش والشراب موجود، نحتاج الملابس والوسائل التي تحمينا من البرد والحرارة، نحن أيضاً بحاجة إلى الصحبة، الحب والدعم، لدينا عائلات وأهل ونعيش في مجتمعات، تلبي هذه الحاجات. من المنطقي أن الذي وفر كل هذه الحاجات سيوفر أيضاً أجوبة لهذه المسائل العميقة والمهمة.

في الحقيقة، بطريقة أو بأخرى، بعض هذه الأسئلة العميقة، هي أهم من الحاجات المادية والعاطفية؛ لأنها تحدد سبب وجودنا، الدليل العلمي يشير إلى أن الناس عندما يفقدون الهدف الواضح والمقنع في الحياة كأفراد أو مجتمعات، فإنهم يفقدون الإحساس بالرضا، ويشعرون بالتشويش وعدم السعادة. لذا معرفة سبب وجودنا وإلى أين طريقنا هي مهمة كأهمية الطعام والشراب والحميمية!

قد يكون هنالك العديد من الطرق لإجابة هذه الأسئلة، وبالنظر إلى مختلف الأفكار التي نتجت عن العقل البشري، نرى أن العقل ليس أفضل ما يمكن استخدامه للوصول إلى أجوبة هذه الأسئلة المربكة؛ لأننا لا نريد أية أجوبة، بل نريد الأجوبة الصحيحة، المشكلة هنا هي حقيقة أن العقل لا يفلح في هذا المجال.

كمثال: لنفترض أن أحداً أخذك إلى بناء غريب، وأنت تقف أمام بابه المغلق، وسألك هذا الشخص: «ما الذي يوجد خلف الباب في هذا البناء؟» كم ستستطيع أن تعرف باستخدام العقل؟ قد تستطيع أن تحزر بعض الأشياء، كأن يكون هناك طاولات وكراسي وأضواء ومغاسل، لكن يمكن أيضاً أن تكون مخطئاً، يمكن أن يكون فارغاً تماماً، ويمكن أن يكون ممتلئاً، أي شيء، فكيف تعرف؟ وكيف تصل إلى الحتمية عما يوجد خلف الباب؟ طبعاً تستطيع الدخول والرؤية لنفسك بأم عينيك، ولكن ماذا إن كان هذا غير ممكن؟ كيف إذن تعرف ما يوجد في الداخل.
طريقة الوصول هي أن شخصاً في الداخل يخبرك، أو أن شخصاً يعرف أحداً قد دخل يخبرك، لكن السؤال هنا: كيف أستطيع أن أثق بهذا الشخص؟ كيف أثق أنه يقول الحقيقة؟

الحالة نفسها مع الأسئلة الكبيرة، هدف الحياة، سبب وجود المعاناة، هل هناك حياة بعد الموت؟ ماذا يوجد خلف الباب؟ هو مخفى، غير مرئي، وغير معلوم، العقل لا يستطيع تقديم أي جواب نهائي، ولا يوجد أي سبب لتصديق الحدس أو فقط الشعور قد يؤدي إلى أجوبة أفضل.

نستطيع الوصول إلى حد من التحقق فقط عندما يكون هنالك أسباب كافية لنثق بمن يخبرنا من الداخل.
في الحقيقة ما زلنا نحتاج العقل، ولكن ليس كمصدر مباشر للمعلومات، لكن نحتاج العقل لنحدد بمن نستطيع أن نثق.
نعود للرجل ذي السروال الأحمر القصير، لماذا عليّ أن أصدق أو أكذب ما يزعم هذا الرجل؟

الديانات في العموم، لكل منها مزاعم خاصة، ادعاء أنها تحمل رسالة من الخالق، وفي الغالب رسالة يفترض أن تكون خاصة بتلك الديانة، فهي قضية: «أنا على حق وكل من تبقى على خطأ»، ولا مشكلة في هذا الزعم بحد ذاته في نظر العقل، فبعد كل شيء: لو أن الخالق قرر أن يرسل رسالة، فمن المنطقي أن تكون ثابتة غير متفاوتة، وبما أن الديانات المختلفة لها مزاعم متناقضة، لا يمكن أن يكونوا جميعاً على حق! لكن التحدي هنا هو تحديد أي الديانات على صواب، إن كان أيهم على صواب. فبدل أن يكون رجلٌ واحدٌ يزعم أنه هنا ليأخذ فاتورة الغاز، هم الآن سبعة!

لم يضع كل شيء الآن، فبالنظر إلى هؤلاء الناس المجتمعين أمام بابك، وباستخدام العملية العقلية المنطقية نفسها، هناك ما نستطيع أن نستخدمه لنعرف من منهم يقول الحقيقة ومن منهم هو المفوض بقراءة عداد الغاز، كمثال: هو أو هي قد يكون معه هوية وسروال موحد خاص بشركة الغاز التي تتعامل معها، وجهاز لقراءة عداد الغاز. وبالطريقة نفسها هناك علامات تستطيع أن تحدد بها الديانة الصادقة من الديانة الكاذبة.

ولأن هذا الموضوع حساس للغاية، فليس من مضيعة الوقت أن نتفكر في بعض الطرق المغلوطة المستخدمة في تحديد هذا الأمر. كأن نقول: الصواب مع الذي يشبهني أو هو من عرقي، هل نستطيع استخدام هذا المنطلق لتحديد من يدخل المنزل ويستلم فاتورة الغاز؟ فالمجرمون يأتون بكافة الأعراق والألوان، كما هو الحال مع جباة فواتير الغاز.

هل نقول مثلاً: «دعني أحدد حسب شعوري من هو الحقيقي، ثم سأؤمن أنه هو»، طبعاً لا! فكيف إذا قلنا: «الذي يعطيني أفضل عرض، كأن يقول: إذا آمنت بي أنني جابي الفاتورة، فسأعطيك غازاً مجانيّاً بقية العمر». العرض مغرٍ، لكن طبعاً لا!
أو أن نختار الشخص الذي يشبه الشخص الذي كان يدق الباب على أهلنا قبلنا، (حتى وإن لم يكن لديهم فواتير غاز أصلاً).
إذن لنختر الرجل الذي يبدو عليه أنه الأذكى، أو من معه الأكثر من النقود، لا.

النقطة التي نريد الوصول إليها هنا: عندما يكون الموضوع متعلقاً بالديانة، يجب علينا أن نصرف بعض الأفكار، كمثال: أن نختار الديانة التي كان عليها آباؤنا فقط لأنها تبدو معروفة لنا، أو لأننا نحبهم كثيراً ولا نتصور أنهم كانوا مخطئين! أنا واثق أننا جميعاً نفعل أشياء تخالف ما كان يفعله أهلنا، فكيف يمكن أن يخطئوا في هذه الأشياء ولا يخطئوا في الدين؟

لا يوجد أي سبب مقنع لافتراض أن الدين الذي كان عليه الآباء والأجداد هو الحقيقة، وليس منطقيّاً أن تؤمن وتأخذ هذه القفزة الإيمانية من غير أي تفكير منطقي. وأي دليل منطقي لدينا يدل على أن الديانة الصحيحة ستجعلنا أغنياء، أو أننا بمجرد إيماننا بشخص ما سنحصل على الحياة الأبدية؟ طبعاً أحد الأسباب الأكثر انتشاراً لتعليل اختيار ديانة ما، أن شخصاً ما اختار هذه الديانة وأحس بالسعادة بعد ذلك وتغيرت حياته! هذا قد يكون منطقيّاً بعض الشيء؛ لأن هناك أسباباً تدعو للإيمان أن الدين الحقيقي يؤدي إلى هذه السعادة، المشكلة هنا أن العديد من الآخرين يدلون بهذا الزعم عن ديانات أخرى، مما يدل على أن الإنسان خلق بشكل يجعله مائلاً للتدين والعبادة، هو جزء من طبيعتنا، إذا لم نكن أتباع ديانة معينة فإننا قريباً سوف نخترع ديانة ما! فبعض الديانات تجعلنا سعداء أكثر من ديانات أخرى، لهذا: مجدداً أن نفترض أن ديانة ما هي الحقيقة فقط لأنها حققت لنا السعادة وغيرت حياتنا، لا يمكن أن يكون معياراً سليماً؛ لأنه وفقاً لهذا المعيار العديد من الديانات يجب أن تكون صحيحة، فقد غيرت حياة العديد من الناس، بل في الحقيقة: بعض هؤلاء الذين اختاروا أن يؤمنوا بعدم وجود الخالق، يزعمون أنهم كانوا يتبعون ديانة ما والآن هم لا يتبعون أي ديانة، ثم يزعمون أنهم الآن أكثر سعادة وحرية! فإن كان هذا الأمر صحيحاً للبعض فهو صحيح للآخرين.

فكل ما سبق هو مجرد ادعاءات، ادعاءات يجب إثباتها.
ولذلك الديانة الحقيقية (إن كانت موجودة) يجب أن يكون لديها شيء يشبه الهوية، يجب أن يكون لديها محددات نعرف بواسطتها أن أصلها من عند الخالق.
فما هي المحددات التي نستطيع استخدامها؟