درونة الثقافة
(نظرية الميمات أنموذجاً)
د.مها الجريس
أستاذ الثقافة الإسلامية المشارك
twitter.com/maha_jorais
شغل موضوع إضفاء النزعة الطبيعية على المواضيع الثقافية حيزًا واسعًا في العلوم الإنسانية في أواخر القرن العشرين؛ ونتيجةً لذلك ساهم علماء البيولوجيا -وهي أحد العلوم التي تطورت في ذلك الزمن بشكلٍ ملحوظ- في طرح نماذجَ ومناهجَ علمية، داعين علماء العلوم الإنسانية إلى أن يتبنوها، ويستوحوا منها مفاهيم جديدةٍ على غرار المفاهيم البيولوجية، مؤكدين أن العلوم الاجتماعية تستطيع من خلال هذه النماذج، فهم حركة انتقال، ودوران، وتغير بعض الأفكار، والثقافات. كما يفهم الطبيعيون حركة الجينات، ويحددون لها جداول واحتمالات.
وقد تحقق ذلك مع مفهوم (الميمة الثقافية) الذي أطلقه العالم الأحيائي الملحد ريتشارد داوكينز، والذي يوازي مفهوم الجين في علم البيولوجيا؛ مفترضاً أنه إذا كانت الجينات توفر نقل الخصائص بيولوجيًا عبر التكاثر، فإن الثقافة توفر نقل أنماط السلوك اجتماعيًا، عبر التعلم، أو التقليد.( ) وكما تتضمن الجينات معلوماتٍ ذات دورٍ تقريري في بناء الكائن وتكاثره، كذلك تحتوي الميمات - أو أنماط السلوك الثقافي - على معلوماتٍ ذات دورٍ مهمٍ في بناء المجتمعات البشرية، وفي تحديد هويتها، واستمرارها.
وتبدو فكرة القول بعدوى الأفكار، أو فيروس الميمات، أمرًا لا يستسيغه الكثيرون، غير أن مؤسسي هذه النظرية يرون في هذا الوصف تفسيرًا علميًا مقبولاً، حيث قاموا باعتماد القوانين الداروينية الجينية، ونقلوها إلى مجال الثقافة؛ حتى ظهر لديهم أن هناك أفكارٌ أنانية تقاوم التغيير، وأن هناك انتقاءٌ طبيعيٌ للأفكار، كما أن هناك تحدٍ تفرضه البيئة، والوسائط المادية التي هي وعاء الثقافة، يجعل الأفكار التي لا تتلاءم معها تفنى وتموت!
وقد وصف أصحاب هذه النظرية بعض الأفكار التي تنتشر بين عددٍ أكبر من الناس، وعبر الأجيال، "بالطفيليات شديدة الضراوة" وضربوا لها أمثلةً صادمة ممثلين ذلك بفكرة الاستشهاد، والفداء للوطن، ونحوها من المبادئ الملهمة. ويرى بعض الباحثين أن نظرية الميمات، قد بدأت أساساتها الفلسفية منذ السبعينيات، ولكن تم بعثُها من جديد على يد العالم البيولوجي المعاصر، ريتشارد داوكينز، وزميله دان دينيت، وآخرين. وأنها ليست سوى تطبيقٍ للشروط الداروينية الجينية، على المجال الثقافي، ومحاولة إثبات ملاءمتها للوحدات الثقافية.
فنحن أمام محاولة جادة لـ (درونة الثقافة) !
وللوقوف على هذا المعنى بشكل أدق، يجب تناول معنى الميمة بالتفصيل.
تعريف الميمة :
ما زال العلماء حتى اليوم، يبحثون عن تعريفٍ دقيقٍ لمفهوم الميمة، كلٌّ من وجهة نظر الميدان العلمي الذي ينتمي إليه، مما أضفى صفة الغموض على هذه الكلمة؛ فبالرغم من اعتماد لفظة "ميمة" في العلوم الاجتماعية التطوّرية، وفي فلسفة الذهن، إلا أن الالتباس فيها يشكّل خطرًا على بقاء نظرية الميمات وصمودها؛ حيث لم يتّفق المفكرون، وعلماء الميمات إلى اليوم، على ماهية الميمة، رغم اتفاقهم الأوّلي على أنها الوحدة التي تفسّر الظواهر الثقافية.
وعلى الرغم من أن هذا المفهوم يناهز الثلاثين سنة من العمر، فهو لا يزال غير واضح. ومن هذه التعريفات:
1. تعريف داوكينز( ) الذي تبنى هذه النظرية ودافع عنها وهو : «الميمة هي وحدة معلوماتٍ مخزنةٌ في ذهنٍ ما، يؤثر وجودها في هذا الذهن على الأحداث، وتصنع بالتالي عددًا أكبر من النسخ عن ذاتها، في أذهان أخرى». وقد سماها مرةً بالمتناسخ، وهي عنده وحدة انتقالٍ ثقافي، ووحدة تقليد، تقيم في الدماغ، أو في كتاب.
2. تعريفات أخرى ذكرها آخرون منها :
• ما ينتقل بواسطة التقليد، ويتضمّن التقليد أي نوع من النسخ، نسخ الأفكار، ونسخ السلوك الذي يقوم به شخصٌ عن شخصٍ آخر.
• ما ينتقل بين الأفراد عند جماعة اجتماعية ما، ويعادل في علم الأحياء (الجينات).
• الوحدات الثقافية الأساسية التي تتشارك فيها جماعة اجتماعية، وهي تصوّرات المعرفة الذهنيّة الداخليّة، التي تولِّد إثر تفاعلها مع البيئة : سلوكًا خارجيًا، ومصنوعات.
• كينوناتٌ ثقافيةٌ، موروثةٌ مع تعديلات.
ويلاحظ أن هذه التعريفات تسير في اتجاهين :
الأول : يعتبر الميمة موجودة في العالم الخارجيّ.
الثاني : يرتكز إلى الذهن، فيعتبر الميمة تشكيلاً عصبيًا، وتصوّرًا ذهنيًا.
فالاتجاه الأول ينطلق من المادة إلى الذهن، والاتجاه الثاني ينطلق من الذهن إلى المادة.
وقد حاول أصحاب هذه النظرية تطبيقها على عدد من العلوم، الدينية، واللغوية، والاجتماعية، معتبرين أن التطور الميمي وراء تفسير العديد من الظواهر الثقافية.
كما تحدثوا عن إمكانية كشف تطبيق نظرية الميمات على تطور بعض الأفكار الدينية الأولية، انطلاقًا من النص السومري لملحمة جلجامش( )، ثم وصولاً إلى النص التوراتي لقصة الطوفان. ومن التدابير العلمية لهذه النظرية، وجود شروطٍ في الميمة القابلة للانتشار، تشابه شروط استنساخ الجينات وتتحدد بثلاثة شروط هي :
1. أمانة النقل أو النسخ؛ فالأفكار التي تنقل بأمانه تبقى أكثر من تلك التي تموت بسبب تعرضها للتشويه.
2. الخصوبة، وهي وفرة الفكرة، وحاجة الناس إليها، ومدى إشباعها لما يحتاجونه.
3. طول العمر، وتعني مقاومة الفكرة للفناء، عبر تكيفها، وتعديلاتها بحسب البيئات والظروف.
أما تفسير علماء الميمات لسبب انتشار بعض الأفكار "الميمات" على حساب الأخرى فيعود إلى بعض الأوصاف والمعايير التي تتمتع بها هذه الميمات. وقد فصّلوا فيها كثيرًا، كما يرجع إلى طريقة العدوى التي تعمل بها هذه الفيروسات الفكرية، والتي هي تمامًا نفس طريقة عمل الفيروسات الجينية.
نقد نظرية الميمات :
من المشاهد والمتفق عليه، أن بعض الأفكار، والمكونات الثقافية في العالم، تملك قدرةً على البقاء، والانتقال أكثر من غيرها، وأن البعض الآخر يتشوه، أو يذوب سريعاً، كما أن لبعض الأفكار، والقيم، والتجارب الاجتماعية، بريقاً ساحراً، وسرعة انتشارٍ واضحة. ويمكن أن يتبناها الكثيرون، ممن لا ينتمون إلى ذلك الحيز الثقافي الذي تنتمي إليه تلك الوحدات الثقافية في الأصل. كما لا يخفى أن هذه الأفكار قد تتعرض للتعديل، والتحوير، فيما يسمى بظاهرة الانتشار والتكيف الثقافي.
ويعرّف صاحب (المورد) ظاهرة الانتشار الثقافي بأنها العملية التي يتمّ بها انتقال الثقافة من جماعة إلى أخرى. وإنما يَحدُث هذا الانتقال، أكثرَ ما يَحدُث من طريق هجرة أصحاب هذه الثقافة، أو من طريق اقتباس السِّمات الثقافية على نحو مباشر، أو من طريق اقتباس المبدأ الكامن وراء سمةٍ ثقافيةٍ بعينها. ثم يذكر العوامل التي تَحكُمُ قبولَ سمةٍ ثقافية ما، فيرى أنها تشمل:
• منفعتَها بالنسبة إلى المُقتبس.
• سهولةَ تمازجها مع الثقافة المُتَلقِّية.
• الاعتبار المعنوي الذي تتمتع به الثقافة المُعطية. كما أن مستوى العداوة بين الثقافات المتلقّية، ينزع في الأعمِّ الأغلب، إلى تمثُّل العنصر المقتَبس، وتكييفه وفقَ روحها وطبيعتها.
وكثيراً ما يقف الباحث حائراً أمام بعض السِّمات الثقافية الشائعة بين الشعوب، بحيث يتعذّر عليه تقرير : أهي ثمرة الانتشار ؟ أم ثمرة الاختراع المستقلّ ؟
وفي إمكاننا القول - في حال غياب البيِّنات التاريخية - بأنه كلّما تعقّدت السِّمة الثقافية، وكلَّما حفلت بالعناصر الثانوية أو غير الأساسية، وكلَّما اشتدَّ شبهها بنظائرها عند الشعوب الأخرى، كانت هذه السِّمة ثمرةً من ثمرات الانتشار، لا ثمرةً من ثمرات الاختراع المستقلّ. ( )
ونلاحظ في هذا الرأي المذكور من صاحب (المورد)، أن العلماء قرروا أسباباً تفسر هذا الأمر، وأن ثمة عوامل كامنة في ذات الأفكار، والوحدات الثقافية، تجعلها قابلةً للانتشار والتبني، إما من جهة تلبيتها لحاجاتٍ فطريةٍ ونفسيةٍ إشباعية، وإما من جهة ما تحمله من مبدأ، وقوةٌ صالحةٌ للتطبيق في كل المجتمعات.
وبالتالي يمكننا القول : إن ما أضافه علماء الميمات، لا يعدو كونه نقلاً تعسفيًا لأفكارٍ مسبوقة، وإفراغها من ألفاظها العلمية المعروفة، إلى ألفاظٍ داروينية، تعبر عن هوسٍ دارويني غير مبرر علميًا بشكل كاف؛ فمعرفة دور التقليد في اكتساب الثقافة، وتحديد الكثير من وسائل التلاقح الثقافي، وخضوع الأفكار المتنقلة بين البشر لعملية التكيف الثقافي، ليست أمورًا جديدةً في الدراسات الأنثروبولوجية.
ولهذا كتب العديد من المؤلفين اعتراضاتهم حول اعتماد وقبول هذه النظرية، منهم العالم روبرت أنجلر في كتابه : (درونة الثقافة، قوام الميمات كعلم)( ) وغيره، متسائلين عن جدوى هذه الدرونة، وعن الجديد الذي تضيفه هذه النظرية.
ويمكن توجيه الانتقادات التالية إلى نظرية الميمات :
1. يرى البعض أن هذه النظرية لا تقل انحرافًا وخطرًا عن نظرية داروين، وأرجعوا ذلك إلى تصريحات مؤسسيها، حيث «يعتقد بعض العلماء الأكثر شهرة في هذا المجال من أمثال دانيال دينيت وسوزان بلاكمور، أن نظرية الميمات سوف تغير بشكلٍ رئيسي مفاهيم المسئولية، والإبداع، والقصد، كما غيرت النظرية الداروينية جذريًا مفهوم الخلق في البيولوجيا، فمن وجهة نظر هؤلاء العلماء، ليس الذهن بما يتضمنه من قوة في التفكير، واتخاذ القرار، والاختراع، سوى مجموعة مركباتٍ ميميةٍ طفيلية، وما تحكُّمنا بها سوى وهمٌ بحت».( )
2. تعزو هذه النظرية انتشار الأفكار إلى نوع عدوى، أو ضعف مناعة، في حين أن وجود أفكارٍ تنتشر بقوة، إنما هو مؤشرٌ على قوةٍ كامنةٍ فيها وفي مبادئها، وما تملكه من قيمٍ عالية، وما تحققه من رضًا نفسي، وارتياحٍ قلبي، وسعادةٍ داخلية، وهو شأن التفكير العاقل، والإرادة السليمة الواعية، لا شأن التقليد الأصم، أو النسخ الآلي.
3. لم يستطع علماء الميمات تحديد النافع والضار من هذه الميمات، بناءً على صفاتها المادية البحتة قياسًا على الفيروسات، فهناك الأفكار الضارة السامة، وهناك أفكارٌ خلاّقةٌ تستحق الانتشار، أما من يحدّد هذا فقد توقفوا عنده، بل قالوا : إنه ليس من شأن علماء الميمات. وهذا يعني أن هناك أفكارٌ أخرى ستستند عليها عملية التصنيف، وهذا أمرٌ خارجٌ عن المنهج التجريبي العلمي المادي، الذي يتبنونه.
4. تبدو المقارنة بين الميمة وبين الجين والفيروس مقارنةٌ ناقصة؛ فالجين والفيروس لهما وجودٌ ماديٌ مختبري، أما الميمة فهم يؤكدون وجودها، مع أنه ليس لها وجودٌ ماديٌ مختبري فهي وجودٌ لشيء غير ماديٍ وفعال.
5. لم يُخفِ أصحاب نظرية الميمات ولاءَهم الشديد للإلحاد، ورغبتهم العميقة لنسف كل الأديان من خارطة الحقائق، بل وكل القضايا والمبادئ ذات الهدف السامي، معبرين عنها بأقذع الألفاظ، ومشبهين لها بالفيروسات، والطفيليات. كما رأى الملاحدة في هذه النظرية ردًا على الداروينية المعدّلة، أو نظرية التصميم الذكي؛ فليس ثمة إبداعٍ ولا ذكاءٍ في ظل الميمات، والأمر لا يعدو كونه تطورٌ ميمي لا عقل له ولا إبداع. تقول "بلاكمور" باحثة الميمات في كتابها (آلة الميمات) : «ونختم القول بأن الميمات تؤثر على الإبداع البشري، وعلى الطبيعة البشرية، ومن أكبر حسنات الميمات، أنها تتعامل مع الإبداع كشكلٍ جديدٍ من أشكال التطور، فكما تطور الفلك البيولوجي، من خلال تنافس الجينات، كذلك تطور الفلك الثقافي، من خلال تنافس الميمات، ففي كلتا الحالتين، ما من مصمِّم، وما من مشاريع في ذهن خالقٍ ما».( )
6. بلغ التعسف التأويلي إلى تحويل معنى التكيف الثقافي، إلى جدولٍ وراثي يشبه جدول الاستنساخ الجيني البيولوجي. وقد ضربت الدكتورة منى عبود -وهي صاحبة الكتاب العربي الأول في هذه النظرية- على هذا مثالاً بالدمية الغربية (باربي) وكيف تم تعديلها إلى نسخةٍ إسلامية، وهي (فُلَّة) وظهور نسخ أخرى عربية، وأفريقية، وآسيوية، معتبرةً هذا التعديل والاستنساخ، أوضح مثالٍ على الميمية الثقافية.( )
7. يضرب دانيال دينيت مثالاً على الأفكار الفيروسات فيقول : «عندما تنتشر أفكارنا بفضل التكنولوجيا الحديثة، في كل أصقاع الأرض لهو أمر جميل في الغالب، ولكن في خضم كل الأفكار التي تنتشر بشكل حتمي في بقاع الأرض بفضل التكنولوجيا، تُــنشر أفكارٌ سامةٌ أيضًا. وهذا النوع من الميم ينتشر حول الأرض، ويقضي على ثقافاتٍ بأكملها، ويقضي على اللغات، والعادات، والتقاليد، وليس ذلك خطأنا، بقدر ما أنه ليس خطأنا إذا انتشرت فيروسات الحيوانات الأليفة، للذين لم تكن لديهم مناعة منها»( ) وهذا كلامٌ خارج عن نطاق العقل؛ فالعاقل يعرف أن أية فكرةٍ لا تؤخذ قطعةً لوحدها، بل كل فكرةٍ متصلةٌ بأفكار أخرى، وهذا الفيلسوف يقدم الفكرة على أنها قطعةٌ حيويةٌ منفصلة عن غيرها، مثل الفيروس الذي له وجوده الذاتي المستقل عن بقية الأحياء، وعن بقية الفيروسات أيضًا، وهذا لا يفوت على أبسط المفكرين، وبهذا يقضى على فكرة "ميمة" من جذرها لأن كل فكرة متصلة بأخرى، ولا وجود لأي منها دون الأخريات.
8. تبدو العنصرية واضحة في هذه النظرية، تمامًا كالأصل الدارويني الذي اتكأت عليه؛ يقول دينيت في محاضرته السابقة : «لدينا مناعةٌ من جميع أنواع النفايات المحيطة بأطراف ثقافتنا، نحن مجتمعٌ متحرر، لذا نسمح بالإباحية، وكل الأمور الأخرى نتغاضى عنها، مثلما نتغاضى عن الزكام ولا يمثل لنا مشكلةً كبيرة، ولكن يجب أن نعرف، بأن ذلك يعتبر لعددٍ كبيرٍ من الناس في العالم مشكلاتٍ خطيرة. ويجب علينا الانتباه لذلك، عندما ننشر تقنياتنا وتعليمنا».( ) ولا شك أن هذا التصريح كلامٌ عنصري؛ فكل الثقافات غير ثقافته يعتبرها نفايات! وهذا غرورٌ لا يليق بمن ينسب نفسه إلى العلم، والمنطق، والفلسفة.
9. تعرضت النظرية للنقد الكبير من قبل الأنثروبولوجيين، والذين يرفضون تجزيء الثقافة إلى وحداتٍ منفصلة، فهي لديهم وحدةٌ متماسكة.
10. هاجم الاجتماعيون هذه النظرية كذلك، على اعتبار أنها نظريةٌ تحويليةٌ للإنسان، من كونه كائنًا متواصلًا، إلى كائنٍ آلي، لا يعني، ولا يعي، ولا يقصِد شيئًا من أفكاره، ولا أفعاله، وبهذا سيصبح حتى القانون الذي وضع لردع ميول الأفراد السيئة، عبثًا لا حاجة إليه.
11. بلغ الغلو في أصحاب هذه النظرية، إلى الزعم بأن علم الميمات سيلغي علم النفس، وخصوصًا مفهوم "الوعي" لأنهم يرون أن : «الكائن العضوي الذي يتكون منه الفرد يقوم بوظائفه، ويتعامل مع المحيط، بواسطة الفعل وردة الفعل، وبطريقة مماثلةٍ للأعمال والوظائف التي يقوم بها جسم الحيوان، أو جسم الروبوت». ( )
وُجهت مجموعة انتقاداتٍ أخرى لهذه النظرية بتوضيح عدد من الفروق العلمية بين الجينات والميمات، والتي تمنع التماثل المزعوم في النظرية. ( )
وأخيراً يرى البعض أن فكرة الخلود تنطبق في جانب الميمات بشكل أفضل من الجينات حيث إنك «عندما تموت، تتناقص مساهمة جيناتك إلى النصف مع مرور كل جيل ولن يمر وقت طويل قبل أن تصبح النسبة زهيدة جداً. لكن إن أنت ساهمت في ثقافة العالم، كأن طورت فكرة جيدة أو كتبت قصيدة، فقد يبقى إنجازك على حاله حتى بعد مرور وقت طويل على ذوبان جيناتك، وربما لا يشتمل عالمنا اليوم على جينة حية أو اثنتين من جينات سقراط، ولكن من عساه يكترث ؟ فالمركبات الميمية الخاصة بسقراط و ليوناردو و كوبرنيكوس و ماركوني لا تزال تنتشر بقوة».
وفي العموم فإن في النظرية أعلاه ما يدل على أن الأفكار تبقى ولا تموت، وأن الانتشار الثقافي يمكن توجيهه واستثماره على غرار ما يسمى بتعديل الجينات في الوسط الأحيائي، وهذا كله مما يقدح في الذهن أسئلة عديدة سواءً اتفقنا أو اختلفنا مع هذه النظرية.