البناء المعرفي
أحمد مقرم النهدي مهتم بالبناء المعرفي
.. من كمال عقل الإنسان ورجاحته تطلعه إلى المعرفة والاطلاع واكتساب المزيد من الخبرات والمهارات المُعينة له على ممارسة حياته وتنمية فكره، والإنسان مخلوق فُطِر على الجهل كما قال تعالى في محكم التنزيل : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } النحل 78، وبالتأمل في هذه الآية ندرك أن جهالة الإنسان منذ ولادته ترفعها أدوات العلم والمعرفة التي أودعها فيه الله سبحانه والمذكورة في هذه الآية، وذلك ليُحسن استخدامها واستثمارها في إصلاح نفسه وبيئته وإعمار ما حوله وفق النهاية السليمة التي لا تستنكرها فطر وعقول، والمبنيّة على بدايات ومقدمات سليمة في أخذ المعلومة والتلقي، وتتمايز هذه النهايات بتمايز طرق ووسائل البناء المعرفي في استثمار المعارف العقلية المختزنة في الإنسان.
وهذه المختزنات في العقول على نوعين باعتبار وسائل تنميتها : فنوع يسير عليه أهل كل عصر بما حباهم الله تعالى من أدوات مشتركة فيما بينهم ومتاحة في عصرهم، ونوع يستفيد منه أهل العصور اللاحقة وينظمون به معطيات العصور السابقة، وبناء على ذلك فإن عصرنا الآن يتميز بانطلاقة معرفية واسعة في الأدوات والوسائل المتنوعة والتي صارت للأسف على حساب المكتسبات والمختزنات، حيث لم يعد يُراعي الإنسان ما الذي يدخل عقله وينمي معرفته مما يضره أو يجهله ؛ وذلك إما من كثرة الموجود ووفرته اليوم بشتى الوسائل، أو من عدم احتياجه إليه في وقت راهن أو لاحق، فيضطر المرء جاهلاً أو متجاهلاً إلى تجاوز أصول البناء المعرفي التي تمكنه من المشاركة في المجالات المعرفية البشرية وهو مكتمل الأركان والركائز ؛ بدلاً من أن يناقش وينافح ويستدل ويقرر ويحكم معتمداً على قراءات مجتزأة وتغريدات من هنا وهناك، وحرص على رسائل مطولة تأتيه عبر الواتساب أو التيليجرام جعلت الواحد منا يغرق في بحر العقل الجمعي الإلكتروني في هذا العصر، في حين الحقيقة الصادمة أنه لا يوجد برنامج ذاتي مُحكم مُنظم سار عليه في بدايات مشواره المعرفي، ويسير عليه في بنائه المعرفي الدوريّ ؛ سوى تتبعِهِ لهذا العالم الافتراضي المخادع والمخدر.من هذا الجانب ومن هذه الزاوية الحرجة جاء مشروع البناء المعرفي، بل إعادة البناء المعرفي الذي يمكن أن يكون مصادماً لما نشأ عليه الواحد منا أو اعتاد عليه في طريقة بنائه لمعرفته.
ورغم أنه للبناء المعرفي روافد شتى ومصادر متنوعة كما سبق، إلا أن الكتب بلا شك رافد مهم من تلك الروافد التي تبثها الحياة من هنا وهناك، والتي قد تسبب الحيرة المعرفية لكثير من الناس لا سيما الشباب الذين هم الأكثر تطلعاً لاكتشاف المجهول لزيادة خبراتهم.وقبل الحديث عن الكتب أود الإشارة إلى نقاط تدعم وتوضح الكلام السالف الذكر:- ذكر الطاهر بن عاشور رحمه الله في مقدمات تفسيره التحرير والتنوير مقدمة جليلة ونافعة عن إعجاز القرآن قسم فيها العلم قسمين فقال : "العلم نوعان : علم اصطلاحي وعلم حقيقي ؛ فأما الاصطلاحي فهو ما تواضع الناس في عصر من الأعصار على أن صاحبه يعد في صف العلماء، وهذا قد يتغير بتغير العصور، ويختلف باختلاف الأمم والأقطار، وهذا النوع لا تخلو عنه أمة. وأما العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلاً وآجلاً (وهو ما يدعو إليه مقالنا هذا) وكلا العلمين كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم، وبين العلمين عموم وخصوص من وجه، وهذه الجهة خلا عنها كلام فصحاء العرب ؛ لأن أغراض شعرهم كانت لا تعدو وصف المشاهدات والمتخيلات والافتراضات المختلفة، ولا تحوم حول تقرير الحقائق وفضائل الأخلاق التي هي أغراض القرآن"
[1]- مهما اختلفت أهداف البناء المعرفي عند كل إنسان فهي في النهاية تصب في صالح تأسيس مهارات وخبرات في عقله ووجدانه حتى تثمر ما يسمى (المَلَكة). والمقصود معالجته هنا أن عموم الناس والطلبة اتجهوا إلى تنمية وتطوير شيء لم يُحكَم بعدُ تأسيسُه ولم يتقوَّ بنيانُه في مرحلة الاكتساب والإدخال إلى الخزينة الذهنية ؛ ويُكتشف هذا الأمر بالاحتكاك العلمي الذي يُظهر نقص هذه المهارات بجانب التجاوز إلى قراءة كتب مرهقة للعقل والذهن، وبالتالي تكون النتيجة السليمة لهذا المعطى - الذي هو اكتشاف الخلل - إعادة البناء المعرفي في هذه المهارة، تماماً مثل مهارة التحدث أو المناقشة ونتائج النظر والاستدلال المبني على تحري الحقيقة، لا التأثر ببيئة معينة أو أدلجة نشأ الواحد عليها، وهذه هي فكرة البناء المعرفي الذي ندعو إليه، والذي يدعو إليه كثير من الخبراء والمهتمين.
- هذه الكتب التي سنعرضها المقصود منها موضوعها لا ذاتها، وما تم اختياره هو رؤية شخصية وجمع من الكاتب حاول ألا يتعمق فيه قدر الإمكان ؛ فكل إنسان يمكن أن يبني معرفته أو يمكن أن يكون قد بنى معرفته بقراءة كتب مشابهة لذلك، فلا يمكن لأحد أن يجزم أن هذا الكتاب هو الأصل، بل هو نتيجة تتبع واستقراء شخصي. أيضاً ذكر دار النشر أو الإصدار هو من باب الدلالة فقط لمَن يريد وإلا : فالكتاب الواحد غالباً ما تنشره أكثر من جهة أو دار أو مركز.- نتيجة دراسة (المعطيات) سواء كانت كتباً أو مؤتمراً أو ندوة فكرية أو دورة تدريبية أو مجالسة خبراء ومختصين أو حتى خطبة جمعة وقراءة مقالة وتغريدة : لا تكون إلا وفق المرور المحْكَم على محتواها بهذه الأسئلة الأربعة :ما [الفحوى] ؟ ما [الأهمية] ؟ما [التطبيقات] ؟ ما [الافتراضات] ؟ فالسؤال عن (الفحوى) يوضح الفكرة العامة والتمهيدية التي تهيء العقل لكي يركز مع الموضوع المطروح وصورته وحقيقته وماهيته، والسؤال عن (الأهمية) يوضح مبررات وحاجة المتلقي إلى الكتاب مما يمس حاجته وواقعه العلمي أو الاجتماعي، والسؤال عن (التطبيقات) هو أساس بناء المعرفة من حيث نتائجها المفترض على العقل أن يقوم به بناء على معطيات هذا الكتاب أو ذاك. فهي التي ستمكِّن الإنسان من الإبداع في الموضوع المُعطى أو المطروح بعد التمرس فيه.فالمعرفة بطبيعة الحال يسبقها جهل وعدم وكما قيل : "المعرفة التي ما فيها جهل هي المعرفة التي ما فيها معرفة".
ومن ذلك مواضيع الفنون والعلوم كما قال ابن النجار الفتوحي - رحمه الله - وهو يمهد للحديث عن علم أصول الفقه : "ولا بد لمن طلب علماً أن يتصوره بوجه ما ويعرف غايته ومادته" ؛ وشرَحَ هذه القاعدة بقوله : "وأصل هذه القاعدة أن كل معدوم يتوقف وجوده على أربع علل، (صورية) وهي التي تقوم بها صورته” إلى أن قال : “و(غائية) وهي الباعثة على إيجاده وهي الأولى في الفكر وإن كانت آخراً في الوجود النهائي، ولهذا يقال مبدأ العلم منتهى العمل، و(ماديّة) : وهي التي تستمد منها المركبات أو ما في حكمها، و(فاعلية) : وهي المؤثرة في إيجاد ذلك".- مقدمة الكتاب غالباً ما تعين على استيعاب ما تقدم ؛ فيمكن لقارئ أي كتاب إذا ركز فيها وفق ما تم ذكره أن يكون عنده إلمام شامل وأصول مهمة عن موضوعه، وهو ما دعا إليه الأولون والأقدمون ووضعوا له المتون العلمية في طلب العلم الشرعي مثلاً والمنظومات الشعرية، وكما قيل : “صاحب الكتاب يغلب صاحب الكتب”.
فهو كلما كرر قراءته لن يكون مقتصراً فقط على ما فيه، بل سيزيده ويثريه وقد يضيف عليه فائدة مشابهة، وهنا يقوى البناء المعرفي في الموضوع نفسه الذي تحدث عنه الكتاب.وبالعودة إلى هدفنا الأول عن ترشيح كتب في البناء المعرفي فننوه إلى أن هذا التركيب حتى يكون متكاملاً ووافياً يقتضي أن يكون مرتكزاً على ثلاثة أركان نذكرها مع كتبها :أولاً : معرفة الإنسان وتركيبته وأدوات التعلم المودعة فيه، ونرشح لكم فيه الكتب التالية :
1- علم النفس المعرفي : وهو صادر عن دار خوارزم العلمية من تأليف (ليلى جابر آل غالب وماجدة حسين محمود ومصطفى محمود الديب) وهو من أسهلها على المبتديء في هذا المجال، وعلم النفس المعرفي قد تطور كثيراً في العقود الأخيرة، ويقوم على توضيح كيفية عمل الأجهزة العصبية في الإنسان من الإدراك والانتباه والذاكرة والخيال، وكيف يستخدمها وغيرها في مهارات التفكير والتحليل التي هي نتيجتها.
2- علم النفس التربوي : من تأليف د. عبدالمجيد نشواتي، وهو كتاب ضخم ومكثف صادر عن مؤسسة الرسالة، ولقد تناول مواضيع هذا العلم بشكل واف إلى حد كبير، ويمكن أن يكون تنزيلاً لمواد علم النفس المعرفي على الواقع من حيث التعامل مع المثيرات في الحياة والتي أسميناها منذ قليل بـ (المعطيات) وكيفية الاستجابة لها، وكذلك القيم والمفاهيم، ومعرفة الذكاء اللغوي واللفظي، وغيرها من المواضيع الهامة.
3- تأسيس عقلية الطفل : من تأليف د. عبدالكريم بكار ونشر دار وجوه، ويركز هذا الكتاب على ما ينبغي للإنسان أن يتعلمه ويبني معرفته عليه سواء قرأه لطفله - وهو المقصود - أو حتى أعاد قراءته لذاته وحياته، وتكوين البيئة التربوية المناسبة للإبداع وتوعية الطفل بذاته وتكوين مفاهيمه، كما يتميز الكتاب بوجود مشاريع معرفية وفكرية يمكن تنزيلها على أرض الواقع تربوياً ومفاهيمياً.وهذه الكتب الثلاثة فيها تكوين خارطة مفيدة عن الإنسان وأدوات التعلم والاكتشاف الذاتي، كما أن كتب السير الذاتية هي أشبه ما تكون بالشرح والتطبيقات الواقعية، حيث فيها معطيات كثيرة يمكن أن يتم الاستنباط والإفادة منها والربط فيما بينها.ثانياً : فهم الحياة وطبيعتها وكيفية ممارستها والتعايش معها.وهذا الركن متمم للسابق بل هو نتاج الاهتمام بالسابق، فالإنسان يبني معرفته عن ذاته من أجل أن يمارسها في حياته التي سيتعرض فيها لمواقف كثيرة ومطردة في يومه وليلته، كما أنه سيقابل أنماطاً من البشر كلٌّ له سجيته وشمائله وعاداته وأخلاقه، وسيواجه أيضاً مصائر متعددة وتحولات معيشية تربك الذهن وقد تغير المفاهيم والآراء، وهو في خضم كل ذلك يحتاج إلى بناء معرفي (سلوكي) يقتضي فهم هذه الحياة، ويصوغ له قلادة تحيط بالعنق، ومما نرشحه من كتب في ذلك :
4- مداواة النفوس في الأخلاق والسير : وهو لأبي محمد علي بن حزم - رحمه الله - وقد تولت إعادة نشره دور كثيرة، ويُمثل الكتاب رغم قدمه خبرات معرفية عميقة في هذا الشأن، فالنفوس هي التي تتحكم في صاحبها وتصرفاته، ويعرض المؤلف مداواة لها مع الكثير مما يمكن أن يمر بها من معطيات الحياة في الأخلاق المتفاوتة والنوايا المتغيرة والعلوم والمعارف والصفات الحميدة والذميمة وتعريفاتها، وكيف ينال الإنسان درجة ومكانة في الحياة استحقها أو لا يستحقها، وغير ذلك من المعارف الناتجة من تجربة كبيرة لرجل عاش تقلبات نفسية وتاريخية، وكانت نبرته فيها نبرة الحاسم الذي يقول خذوا عني وليس بعد هذا، ولا تتجاوزوا كلامي حتى تعيشوا بهناء وصفاء.
5- جدد حياتك : للشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - وقد تولت طباعته دور نشر كثيرة كذلك، وهو في نمطه قريب من كتاب ابن حزم إلا أنه بصياغة معاصرة وأدبية شيقة، مع نقد وتحليل لمواقف الناس، وهو في الأصل كتاب غربي للمؤلف ديل كارنيجي بعنوان : (دع القلق وابدأ الحياة)، قرأه المؤلف وقال : “عزمت فوراً أن أرده إلى أصوله الإسلامية”، ثم جمّله بآراء شخصية قيمة لا ينبغي إغفالها ، وخلاصة الكتاب السابق وضعها الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في مؤلف صغير شيق عنوانه : (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة).
6- هي هكذا : كيف نفهم الأشياء من حولنا ؟ وهو الكتاب الثاني معنا من تأليف د. عبدالكريم بكار، وينصب في مادته على كيفية فهم الحياة والوجود، وكيفية بناء التصورات عن كل معطى حولنا وسماها السُنن الإلهية، حيث ناقش فيها 60 سُنّةً في جزءين... مثل المال والحب والرغبات والتكيف والتأقلم والخواطر وتأثيرها علينا وخلاف ذلك من الأمور التي قد لا يطرأ على بال الواحد منا التفكير فيها إلا إذا واجهها، فبهذا الكتاب يمكن أن نبدأ بمحاولة التعرف إليها ووضعها في إطارها الصحيح، وعنوان الكتاب فيه إيحاء لطيف عن أن الأشياء لها طبيعة فلا حاجة لمحاولة تخطي طبيعتها، بل المعرفة السليمة تقتضي أن نتعامل معها وفق طبيعتها.ثالثاً : مداخل العلوم والثقافات والمهارات.ويدخل في هذا الركن من أركان البناء المعرفي كتب مهمة أيضاً هي من مقتضيات المعرفة ومتطلباتها، مع التنويه إلى أنه لا يُستغنى بها عن الممارسة العملية بحال، بل قراءتها هي أول طريق الممارسة، وبدونها لا تكون المعرفة كاملة ومستوفية البناء، فلا بد حتماً من ثقافة علمية تساعد على رسم صورة ملمة لواقع التعامل مع المعطيات والبيانات وتنوعها ومبادئ كتابة البحث العلمي وأصول القراءة وضبط فوائدها.ونقترح في ذلك كتباً مثل :
7- ضوابط المعرفة : وأصول الاستدلال والمناظرة، للدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني. من إصدارات دار القلم، وهو كتاب رياضي منطقي ذهني، قام مؤلفه بتأصيل المُدركات الذهنية والحسية وما هو كلي أو جزئي، وتكلم أيضاً عن دلالات الألفاظ على المعاني وقام بشرحها شرحاً رائقاً وبديعاً، حيث يحث الكتاب العقل على الإبداع وفق ضوابط المعرفة وحدودها، ففيه باب عن طرق التوصل إلى المعرفة، وبالتالي تتم عملية ضبط النقاشات والمناظرات والاستدلالات بما يفتح الله به على العقول والمدارك.
9- مهارات في التدريب اللغوي : للدكتور نوح بن يحيى الشهري، من إصدارات مركز النشر العلمي، وهو كتاب تدريبي ممتع وشيق لا سيما لطلاب المرحلة الثانوية وبداية المرحلة الجامعية، حيث يثري المؤلف فيه الحصيلة اللغوية والشعرية وأيضاً يبني القدرات والمهارات الكتابية والتحريرية، لأنه من المؤلم أن يقال إن هذه المهارات اللغوية هي آفة التعلم عند كثير من الطلبة والطالبات، فمهارات كهذه تستحق البناء المعرفي وبذل الوقت والجهد لها حتى تصل إلى مرحلة المَلكة والمكنة، إذ أنها ستلازم الطالب في مشواره العلمي والمعرفي طيلة حياته.
10- كتيب حواري بعنوان : ماذا أقرأ، لماذا أقرأ، كيف أقرأ ؟للدكتور عبد الكريم بكار وعلاء الدين آل رشي، وهو من إصدار مركز الناقد العربي، وقد أجاب الكتيب عن هذه الأسئلة الفضفاضة والواسعة عن القراءة بشكل استيعابي جامع يسمح للإنسان أن يتطور بنفسه ويبحث عن الإجابة وفق المعطيات المذكورة، وليس مجرد تحديد كتب معينة في مجالات محددة، فمثل هذا في نظري هو من أفضل ما يُوجه إليه المتطلعون للقراءة وبناء الثقافة.
11- أبجد العلوم : من تأليف صديق بن حسن القنّوجي، وهو كتاب عرض العلوم وتواريخها ورحلتها ومواضيعها التي تدور حولها، وهو مجلد ضخم ثري مفيد للاطلاع الشامل على كل العلوم الذهنية والنفسية والسلوكية والشرعية وغيرها؛ وبالتالي يختار الواحد ما يلائم تخصصه وميوله، كما أنه يمكن أن يكون مُذكرة يكوِّن منها القارئ فكرةً مُحررةً ومكتوبةً عن كل علم حسب المقدمات العشرة لمعرفة الفنون ؛ وهي الحد والموضوع والثمرة والواضع وغيرها، كما تدعم فكرة هذا الكتاب كتب أخرى مثل (مصباح السعادة) لطاش كبرى زاده، وجزء مشهور من مقدمة (ابن خلدون) في أبواب العلوم.
12- مهارات التعلم الذاتي : هذا العنوان أُلِّفت فيه كتبٌ كثيرة، ومن مشكلات المعرفة المؤدية إلى اختلالها : الاقتصار على التعلم الحضوري في المدارس والجامعات والدورات التدريبية في وجود معلم ومدرب يشرح ويُسهل، دون التمكن من مهارات التعلم الذاتي أو التدريب الشخصي التي هي قيمة مهمة من أهم قيم البناء المعرفي، وهي ملتصقة بالمتعلم أكثر من مجرد الحضور ومباشرة المُدرب والمعلم، وهناك كتاب من إعداد الجامعة العربية المفتوحة يتميز بحسن الترتيب لمواضيع هذا الفن وتدعيمها بالأمثلة والتطبيقات المهمة في التحرير وكتابة التقارير العلمية والتفكير الناقد وغيرها، أما الكتب التي نرشحها في ذلك :
13- الإبداع العلمي : للدكتور أحمد بن علي القرني، من إصدارات دار عالم الفوائد، وهو دراسة تأصيلية تكشف أسس التفوق العلمي، والكتاب مبدع في إثرائه المتعلم شغفاً وحرصاً للمزيد، فهو يجمع بين مبادئ البناء المعرفي ويزيد عليها أسساً يتخطى بها المتعلم المراحل السابقة ؛ ليكون عنده مَلكات تقوي تعلمَه وتُمتِّن معارفه وتصبح كقوة قريبة في ذهنه يستدعيها متى شاء ليخوض بعدها غمار التفوق والتبحر والاكتشاف.
14- نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية : للدكتور أحمد محمد حسين الدغشي، من إصدار دار الفكر، وينطلق المؤلف من كون القرآن الكريم كتاب معرفة بما فيه من معطيات عقلية ودلائل وحُجج وبراهين، حيث تتسم المعرفة القرآنية بالشمول والتكامل والخلود والإطلاقية، ويقدم الكتاب كل ذلك بصورة معرفية سلوكية تجعل المؤمن الباحث عن العمل يتحلى بتطبيق هدايات القرآن وآدابه.وقبل نهاية هذا التجوال والتطواف حول كتب البناء المعرفي أختم بإشارات كما بدأت :- ما ذكر فيما سبق عن البناء المعرفي الإنساني : يشترك فيه البشر عموماً مهما اختلفت دياناتهم وأفكارهم، فالله تعالى خلق النفوس والعقول وحد لها حدوداً مشتركة لا تتجاوزها في ممارسة معطيات الحياة، وبطبيعة الحال فالمؤمنون بما أوحى الله إليهم يضبطون العقل والمعرفة وفق مقتضيات الشرع ومسلماته.
- إن تحديات البناء المعرفي تكمن في التطبيقات والتدريبات الشخصية والتفاعل الذاتي مع المعطيات من خلال ممارسة عمليات ضبطها وتمكينها التي أشرت إليها في مقالي في أكثر من موضع، وفي الحقيقة أنه لا يتميز متعلم منا إلا بها تصوراً وضبطاً وتحريراً وإتقاناً وترتيباً وذلك وفق المسارات السابقة، وأما القراءة المُشتتة والتوسع فيها وتتبع الملتقيات والمعارض والتغريدات بغير خطة معرفية محددة : هو العقبة الكبرى في طريق البناء المعرفي المنشود.[5]
المراجع :
[1] انظر تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور. جزء 1 ص 127.
[2] انظر شرح الكوكب المنير لمحمد الفتوحي (ابن النجار) تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد جزء 1 ص 36 بتصرف.
[3] كتب السيرة الذاتية فيها معالم وإضاءات مفيدة جداً في البناء المعرفي كما لا يخفى، وقد تم الاكتفاء هنا بالإشارة فقط إليها.
[4] مما يجدر التنويه إليه أنه في هذا الكتاب استشهد الغزالي رحمه الله بعدد من الأحاديث الضعيفة بل لا أصل لها، كما أن تشريحه ووصفه للحال لا يخلو من نبرة حادة ناقمة على الوضع - وهو كذلك في غالب كتبه - لكن لعلها من غيرته الشديدة على الإسلام.
[5] أعزائي القراء، ما طرح في المقالة يمكن أن يكون بذرة لمبادرة مشروع تدريبي قادم يشمل حقائب تدريبية وكتباً مُثرية وتطبيقات مُكثفة، وآراؤكم تصقله وتقويه وتثريه ؛ فلا تبخلوا عليَّ بها.
يمكن المراسلة على البريد التالي :عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.