آخر مستجدات نظرية التطور

 

 

 

آخر مستجدات نظرية التطور

م. أحمد حسنباحث مهتم بنقد الإلحاد واللادينية ونظرية التطور

بمناسبة نشر كلمة د. جيرد مولر في 2017م التي ألقاها بمؤتمر اتجاهات جديدة في البيولوجيا التطورية 2016م

تمهيد ... منذ أن اشتهرت قديماً عبارة : “اتبع الدليل حيث يقودك” على يد أشهر فلاسفة اليونان من سقراط وتلميذه أفلاطون : وقد صارت شعاراً لكل زاعم للعقلانية والحيادية في البحث عن الحقائق، سواء كان صادقاً فيها أو كاذباً.ويكاد لا تخلو مقولات أحد الملحدين أو المروجين لنظرية التطور منها، موهمين أتباعهم والمتأثرين بهم أنهم يعملون وفقها، وأنها منهجهم في الحياة وفيما يؤمنون به.وعلى قدر جلالة هذه المقولة بالفعل وقوتها، إلا أنها تحمل في طياتها دليل نقضها ذاتياً وكشف أدعيائها عند التحقيق والفحص، إذ يكفي ملاحظة تناقضهم فيها لتسقط أقنعتها عن وجوههم في التو واللحظة.

المشكلة هنا أنهم يقاتلون فكرياً لإبعاد تهمة الانحياز عنهم. في حين هم غارقون بكامل تفسيراتهم في مستنقع إنكار الخالق لاسيما في مسألتيّ بداية الكون وبداية الحياة.فمهما تبدت لهم من أدلة علمية وعقلية ومنطقية على وجود الخالق : تجدهم لا يختارون إلا التفاسير التي تناقض البداهة الفطرية في التفكير !فإذا نظرنا في بداية الكون كمثال، فبعدما ظهرت الأدلة الدامغة على كمال الضبط الإلهي الدقيق لقوانين الكون وثوابته منذ لحظة ولادته : فبدلاً من تأكيد ذلك على وجود الخالق عز وجل كما اعترف به العلماء المحترمون في مجال الفيزياء والفيزياء الفلكية : نجد فيزيائياً ملحداً مثل ستيفن هوكينج يتهرب من ذلك إلى ادعاء وجود عدد مهول جداً من الأكوان العشوائية (تبلغ احتماليتـه كمـا فـي كتابـه التصميم العظيم 1 إلى 10 أس 500) في محاولة للقول بأن هذا الضبط الدقيق لكوننا أتى بالصدفة نتيجة كل هذه الأكوان العشوائية الأخرى !بمعنى آخر .. عندما ترى مثلاً قصيدة شعر من ألف بيت غاية في الجمال والوزن والإيقاع اللغوي البليغ : فلا تقل أنها من صنع شاعر قدير وإنما : قد يكون هناك احتمالية 1 إلى 10 أس 500 من القرود التي خبطت عشوائياً على لوحة مفاتيح لتخرج هذه القصيدة ! والسؤال :أي التفسيرين يحقق مقولة : “اتبع الدليل حيث يقودك” ؟ وأي التفسيرين يتماشى مع العلم والعقل والمنطق والبداهة الفكرية للإنسان ؟فإذا جئنا إلى بداية الحياة، فالأمر ليس بعيداً عما عرضناه الآن بل هو متطابق تماما التطابق ! حيث نجد أشهر ملحد تطوري اليوم ريتشارد دوكينز يقول في الصفحة الأولى من (صانع الساعات الأعمى) : “الأحياء هو العلم الذي يدرس الظواهر الحية التي تبدو وكأنها مُصممة لغاية” !Biology is the study of complicated  things  that give the appearance  of  having  been designed for a purpose(تبدو) أنها (مُصممة) (لغاية) !

والسؤال : ماذا لو لم تكن مُصممة لغاية : كيف كانت ستبدو ؟! إذن - ومرة أخرى في منطق الملحدين والتطوريين - إذا رأيت ماكينة مذهلة ومعقدة ودقيقة (تبدو) وأنها (مُصممة) (لغاية) : فلا يخدعك علمك وعقلك ومنطقك وبداهتك الفكرية وتزعم أن لها صانعاً حكيماً قديراً يعلم ما يفعل ! 

  خلاصة نقد التطورقبل أن أستعرض معكم صور (التمسك الدوغمائي) بالتطور في عالمنا اليوم، أود في عجالة ذكر أربعة فقط من أقوى عوامل رفض نظرية التطور : علمياً وعقلياً ومنطقياً، ولا أقول دينياً حتى تكون المقالة بعيدة عن شبهة أي تحيز ديني - شماعة دفاع التطوريين ضد نقد المؤمنين لهم ! - فأقول :-

1- تقوم نظرية التطور على تفسير الكمال والجمال والإبداع في الكائنات الحية وأعضائها الباهرة بالصدفة والطفرات العشوائية، وهو ما يتعارض مع كل معارف الإنسان وخبراته في الحياة وفي العلوم التطبيقية العملية والطبيعية.

2- ومع اكتشاف الحمض النووي الوراثي وأنه يعمل كالكتاب داخل خلايا الكائنات الحية وفيه صفات كل كائن وتركيب أعضائه بشفرات من ملايين ومليارات الحروف : فإن الزعم بأن خبطات عشوائية (أي الطفرات) يمكنها أن تعيد كتابة أو تزيد هذا المحتوى بشفرات جديدة لأعضاء أو كائنات جديدة : هو مثل ادعاء أن طفلاً رضيعاً يخبط على لوحة مفاتيح والده المبرمج فتقوم مئات خبطاته العشوائية بتعديل البرنامج الدقيق بل والزيادة عليه بما يتماشى معه ويتفوق عليه !وهذا المثال ليس للتقريب، بل هو أقل من الحقيقة بكثير، فالتشفير في الحمض النووي غاية في التعقيد والتراكب ولا زال العلماء يكتشفون فيه إلى اليوم كل غريب وعجيب، وأما الصدمة الكبرى، فهي أن الصفة الواحدة من جسم الكائن الحي  قد يتحكم فيها أكثر من جين في أكثر من موضع والسؤال : إذا كنا حكمنا باستحالة الضرب العشوائي المفيد في موضع واحد : فكيف بنا وأنه يلزم التطوريين اليوم القول بأن الطفرات العشوائية تكاملت خبطاتها في (أكثر) من (موضع) لتتحقق صفة معينة ما ؟!

3-  إذا كان وقع التطور التدريجي بالفعل عبر ملايين السنين (سواء كان تقوده الصدفة العمياء أو بفعل الخالق كما يزعم مؤمنو الأديان القائلين بالتطور) فهذا يعني ضرورة امتلاء طبقات الأرض وصـولاً إلـى أقــدم حقبة جيولوجية لانفجار الحياة المعقدة (وهي حقبة الانفجار الكمبري) : بحفريات وبقايا مليارات الأنواع من الكائنات الحية التي تترجم هذا التدرج البطيء، لكن... ورغم وصول اكتشافات العلماء إلى هذه الطبقات بالفعل : لم يجدوا أي دليل على مثل هذا التدرج المزعوم، إذ كل البقايا التي تم العثور عليها هي ثابتة منذ ظهورها في طبقتها الجيولوجية وإلى اليوم سواء كانت حية أو منقرضة، ولا يوجد أي تدرج يربطها بشيء قبلها أو بعدها، وهو ما قال داروين أنه كفيل بهدم نظريته إذا لم يتم العثور على هذه البقايا وبصورة وفيرة جداً من المفترض (انظر كتابه أصل الأنواع : باب صعوبات النظرية : انعدام أو ندرة وجود الحلقات الانتقالية) حيث تعلل وقتها بأنه في المستقبل القريب لعله يعثر عليها العلماء، لكن إلى اليوم وبعد مرور 150 عاماً لم يتحقق هذا الشرط الأساسي قط. لذلك شهدت (نظرية) التطور أكبر عدد ممكن من عمليات (الغش) و(التزوير) و(التلفيق) في أدلتها بما لم نره في أي نظرية علمية من قبل ولا نعتقد من بعد أيضاً !

4- بالنسبة للأمراض، نحن نعرف أن هناك أمراض مُميتة (للإنسان خصوصاً لأنه أقرب لفهم غير المختصين)، وأن هذه الأمراض تحدث بوقوع تغيرات طفيفة جداً في التشريح المفترض للكائن، يعني مثلاً لو زادت لزوجة الدم أو ميوعته ؟ أملاحه ؟ أماكن الأعصاب الرئيسية بين العظام ؟ كهربية المخ ؟ صمامات القلب ؟ ومئات غيرها والسؤال : كيف يتوقع عاقل أن الصدفة والعشوائية تعمل بالتجربة العمياء في الكائنات : دون أن تفنى الأفراد لعيوبها القاتلة ؟!

   المُتقدم الوحيد !تنتشر بين العوام عدة أمثلة شعبية مدارها حول (مَن تقدم إلى اختبار ما بمفرده) .. فتارة تركز على فوزه بالمركز الأول (بجدارة) و (بدون منافس) ! وذلك من باب الطرفة والضحك، وتارة أخرى تنقلب الطرفة إلى استخفاف أو توبيخ في ضرب المثل بشخص لو تم اختباره (بمفرده) لكان الأخير !ونظرية التطور في الحقيقة تقدم لنا الصورتين معاً... فهي تارة يتم التأكيد على أنها النظرية الوحيدة القادرة على تفسير الحياة : في حين أن المجتمع العلمي العلماني أو المادي لم يقبل ولا يقبل إلا هي أصلاً (إذ يرفضون الإشارة إلى الخالق لأنه لا يمكن إخضاعه لمعاملهم وأدواتهم المادية والبحثية) ! وتارة أخرى بالنظر في فشلها المستمر منذ أسس لها داروين وإلى اليوم : لا يسعنا إلا القول بأنها تنتمي بالفعل إلى هذا الصنف الذي إذا تم اختباره (بمفرده) لكان الأخير !فكل الأدلة التي اعتمد عليها داروين في كتابه (أصل الأنواع) وأخذ أغلبها من لامارك : ثبت خطؤها في السنوات التي تلته (وعلى رأسها عدم توريث الصفات المكتسبة والذي أثبته تطوريون أنفسهم مثل وايزمان وغيره)، ثم تكفلت وراثة مندل بالباقي على نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، فقام ألفريد راسل والاس وأوجست وايزمان بدفع عجلة ما يُسمى بـ (الداروينية الجديدة) :Neo-Darwinism في محاولة للجمع بين الانتقاء الطبيعي لداروين وبين وراثة مندل، ثم مع ظهور التعقيد الخلوي والحمض النووي الوراثي DNA الذي يحمل شفرة كل صفات أجسام الكائنات الحية (ليُسقط بذلك إلى الأبد فكرة تأثير البيئة على جسم الكائن ليظهر له عضو أو يختفي نتيجة الحاجة أو الاستخدام) فتم - ومن جديد - محاولة مواكبة هذه الصدمة بإبراز ما يُسمى بـ (النظرية التركيبية الحديثة) The Modern Synthetic Theory والتي زعموا فيها أن الطفرات العشوائية العمياء التي تقع بالصدفة للحمض النووي للكائن الحي نتيجة تعرضه لعوامل مثل الإشعاع أو الحرارة أو بعض الكيماويات إلخ : يمكنها أن تعدل أو تضيف شفرات جديدة إلى محتوى الحمض النووي للكائن من شأنها أن يظهر لديه عضو جديد بالتدريج أو صفة جديدة ليست من حوضه الجيني الخاص بنوعه.وهنا لنا وقفة مع هذه الأخيرة (أي النظرية التركيبية الحديثة).    أزمة القرن الجديد !كما قلت من بين الأربعة عوامل القوية لرفض التطور : كان التعقيد المذهل للحمض النووي والذي يجعل الصفة الواحدة يتحكم فيها أحياناً كثيرة أكثر من جين في أكثر من موضع، بل وقمت بتشبيه ذلك بالبرنامج الدقيق الذي لن تزيده أي ضربات عشوائية على لوحة المفاتيح إلا إفساداً لهيكله ومحتواه وتضييعاً له ! الآن : أنت مُطالب بإثبات قدرة الطفرات على إحداث صفة (جديدة) من خارج (الحوض الجيني) للكائن ! ولكي نفهم موضوع الحوض الجيني، فلو لدينا مكونات طعام مثل البيض والدقيق والخميرة، هنا يوجد لدينا (حوض جيني) - مع فارق التمثيل - للأشياء أو الأصناف التي يمكن أن تخرج من هذه الثلاثة معاً ومهما تعددت أو تنوعت، لكننا أبداً ويستحيل أن نجد من بين الأشياء أو الأصناف في يوم ما شيء أو صنف فيه ليمون مثلاً ! فهنا الليمون هو خارج (الحوض الجيني). وبالعودة للإنسان للمقارنة : فقد نجد إنساناً طويلاً قصيراً ممتلئاً أسود البشرة أو أبيض أو أسمر أو مجعد الشعر أو ناعمه، (فكل ذلك داخل الحوض الجيني للبشر) : لكننا لن نجد أبداً إنساناً له جناحان مثلاً أو زعانف !ناهيك أنه مع الإخفاق المستمر للتطوريين في عدم إيجاد طفرات تضيف شيئاً أو عضواً جديداً من خارج الحوض الجيني لأي كائن حي (ولم تنفع معهم حُجة ملايين السنين لوجود كائنات دورة حياتها قصيرة جداً مثل البكتريا وذبابة الفاكهة وغيرها) : فلم يسعفهم أيضاً سطوهم على قدرات (التكيف) التي لدى الكائنات الحية لتواكب تغيراتها الحيوية والبيئية : ليسموها باسم (التطور الأصغر) Micro-Evolution ليوحوا للناس أنها نتجت عن (طفرات) عشوائية مفيدة وأنها مع الزمن (وبالتأكيد) ستؤدي إلى (التطور الأكبر) Macro-Evolution وظهور أعضاء جديدة تماماً أو أنواع جديـدة  مـن أسـلاف وأنـواع قديـمة ! فبغض النظر عن أن ذلك لم يشاهده أحد : فقد اكتشف العلماء على مدار العقود الماضية أن (التكيف) هو تضبيطات (موجودة مسبقاً) في الحمض النووي للكائن وفي طبقة متحكمات حوله (وهو ما يعرف بالوراثة فوق الجينية)، فهو من وإلى الكائن نفسه ولم يأتيه من الخارج، ولذلك يعود بالكائن دوماً إلى حوضه الجيني ولا يتعداه !فمثلاً أنا كإنسان يعيش في منطقة بارتفاع مستوى سطح البحر : سوف تحدث تغيرات (أو تكيفات) في جسمي عندما انتقل للعيش فوق جبل مرتفع، حيث ستبدأ صفات وجينات كامنة لم تكن فعالة : في نسخ وتفعيل نفسها تواكباً مع اختــلاف درجــات الحــرارة والضغط، بل إن جسم الإنسان تحدث فيه تغيرات دائمة حتى بين فصول العام الواحد من صيف أو شتاء : ثم تعود كما كانت كلما زالت الظروف أو التغيرات التي استدعتها، وهكذا.. فهل نقول هنا أن الإنسان (يتطور) أو أنه في طريقه على المدى البعيد إلى (التطور) ؟!هذا الكلام الذي ذكرته لكم الآن كان يجادل فيه التطوريون جدالاً عنيفاً لدرجة تسفيه كل مَن ينتقدهم به ووصفه بأقذع الأوصاف ! فالأمر فعلاً خطير إذ : لا يظهر في الأفق (تعديل) جديد للتطور الحالي (النظرية التركيبية الحديثة) وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه الانتقادات الأكاديمية العلمية والفلسفية إلى مزاعم التطور وتفندها وتثبت في كل يوم أن ما كان يعده التطوريون (طفرات مفيدة) وخاصة في البكتريا : لم يكن إلا آليات مذهلة للـ (تكيف) مع مختلف التغيرات ! وأنه مع كثرة هذا (التكيف) لم تتحول البكتريا إلى كائن آخر أبداً بل ولم يتحول نوع بكتريا إلى نوع بكتريا آخر ! وعلى هذا قس كل الكائنات.وقد اعترف بهذه الورطة العالم التطوري دينيس نوبل Denis Noble بالمؤتمر العالمي لعلم وظائف الأعضاء بمدينة سوجو - الصين من 1 إلى 4 نوفمبر 2012م. [1]ومن قبله العالم التطوري أيضاً فرانكلين هارولد Franklin  Harold  حيث يقول في كتابه (طريق الخلية) طبعة 2001م :“ينبغي لنا أن نرفض كمسألة مبدأ استبدال التصميم الذكي للحوار عن الفرصة والضرورة، لكن يجب علينا الاعتراف بأنه في الوقت الحاضر لا يوجد أي تفسيرات داروينية مفصلة لتطور أي نظام بيوكيميائي أو خلوي، فقط مجموعة متنوعة من التكهنات والأمنيات" !وقد سبقهما موقع التايمز الشهير للتعليم العالي بعنوانه الصادم في 1995م : ”الداروينية الجديدة فشلت كنظرية للتطور”Neo-Darwinism  has failed as an evolutionary theory

والسؤال من جديد (وللمرة الثانية والثالثة والرابعة وسيظل يتكرر وبنفس الإجابة للأسف) : هل سيقررون أخيراً الاعتراف بالخالـق عـز وجـل وأنـه لا وجود للصدفة والعشوائية في المخلوقات ؟ والإجابة :    الطريق الثالث !لا بالطبع .. لن يتوقفوا أبداً عن محاولة (تعديل) التطور الصدفي والعشوائي، فهو عندهم (لا بديل له) طالما يبحثون عن تفسير (مادي) بعيداً عن الأديان، هم أرادوا الخروج من عباءة الكنيسة وتشددها على العلماء : فأدخلوا العالم كله في عباءة التطور وتشدده على العلماء !اليوم يوصف مَن يذكر فقط (التصميم الذكي) كإشارة إلى رفضه الصدفة والعشوائية بأنه رجل غير علمي (حتى لو قال بالتطور أو الأصل المشترك مثل مايكل دانتون أو مايكل بيهي !).ولذلك بدأ يتكاثر المنادون اليوم بإيجاد (طريق ثالث) ThirdWay لتفسير التطور بعد فشل الداروينية الجديدة والنظرية التركيبية الحديثة التي صدعوا رؤوسنا لسنوات بانها (حقيقة) و (واقع) تم إثباته معملياً وانتهى الأمر منه وفرغ !بل وقام أكابر العلماء التطوريين بإنشاء موقع يجمعهم ويجمع أصواتهم بهذا الاسم (الطريق الثالث للتطور)، يمكن الاطلاع عليهم ونبذة عن كل منهم من الرابط التالي :http://www.thethirdwayofevolution.com/peopleفهل ظلّ عدم الإلتفات الرسمي إليهم سائداً ؟ أم تغير اليوم ؟

   مؤتمر الجمعية الملكيةفي عام 1966م تم عقد مؤتمر هام في معهد ويستار Wistar Institute بفيلادلفيا، حيث تم توجيه اعتراضات خطيرة من علماء فيزيـاء ورياضيـات للاحتمـالات العشوائية التي ينشرها التطوريون بكل بساطة وكأنها شيء من المُسلمات ! وقد كانت النقاشات من القوة لدرجة أن توصف بأنها وصلت أحياناً للتراشق بين الفريقين ! ولكن النتيجة في النهاية كانت لصالح الطعن في صحة التطور بشكله الحديث المعتمد على الطفرات العشوائية والصدفة والانتقاء الطبيعي، وهو ما ترك أثره بالفعل إلى اليوم كما رأينا من اعترافات التطورين أنفسهم وموقع التايمز منذ قليل، وقد تم نشر هذا السجال العلمي بكل تفاصيله وجلساته في عمل بعنوان : "التحديات الرياضياتية لتفسير الداروينية الحديثة للتطور". [4]واليوم ... وبعد 50 عاماً تقريباً (في نوفمبر 2016م) تم عقد مؤتمر آخر لا يقل أهمية (وصدمة) عن الأول باسم : “اتجاهات جديدة في البيولوجيا التطورية". المؤتمر تم عقده في الجمعية الملكية، وألقيت فيه كلمة لأحد أشهر علماء البيولوجيا التطورية المعاصريـن وهـو البروفيسـور النمساوي جيرد مولر Gerd B. Muller. وهي الكلمة التي لم يتم نشر نصها إلا في شهر أغسطس 2017م ! وكان عنوانها :“لماذا أصبحت النظرية التطورية المُعدلة (EES) ضرورة ؟ [5]Why  an  extended evolutionary  synthesis  (EES) is  necessaryفالرجل يتحدث في مؤتمر كبير مثل هذا عن ضرورة الموافقة على ما أسماه النظرية التطورية المُعدلة (أي أنها امتداد للنظرية التركيبية الحديثة)، ورغم أنه لا زال يدور في فلك (نظرية التطور) لأنه لا بديل للعلم المادي والعلماني عنها كما قلنا إلا أن هناك مواضع من كلماته في تلك الورقة التي ألقاها : تكشف وبجلاء عن الوجه الحقيقي لعلماء التطور، وكيف أنهم في قمة فشلهم عن التفسـير العلمـي للصدفـة والعشوائية والطفـرات : كانـوا يوهمون عامة الناس للأسف أن النظرية بخير، وأنها (تزداد قوة) يوماً من بعد يوم ! وأن (كل) الانتقادات التي توجه إليها هي (غير علمية) أو (متحيزة) أو (بدافع الدين)، وأن مَن يعارضونها هم (أقلية) بل (عدد نادر) ! وأنها لذلك توجد في أي ورقة علمية اليوم تتحدث عن البيولوجيا أو الكيمياء الحيوية !يقول جيرد مولر في الصفحة 2 عن الوضع الجدلي الحالي حول نظرية التطور :"ولذلك، فإن هناك أعداد متزايدة من الدراسات التي تدعو إلى إجراء تنقيح كبير أو حتى استبدال كامل لنظرية التطور القياسية، مما يشير إلى أن هذا التوجه لا يمكن رفضه باعتباره وجهة نظر أقلية، بل هو شعور واسع الانتشار بين العلماء والفلاسفة على حد سواء " !ويواصل في نفس الصفحة :“في الواقع، ظهرت على مدى السنوات القليلة الماضية أعداد متزايدة من التحديات للنموذج الكلاسيكي للتطور في مجالات عدة، مثل بيولوجيا النمو التطورية، والوراثة فوق الجينية، وعلم وظائف الأعضاء، وعلم الجينوم، وعلوم البيئة، وعلم الوراثة السكانية، والتطور التنظيمي، والنظم الشبكية، ودراسات ظهور الصفات المُستحدثة، وعلم الأحياء السلوكي، وعلم الأحياء المجهرية، وبيولوجيا النظم، مدعومة أيضا بالكثير من الحُجج من العلوم الثقافية والاجتماعية، فضلاً عن المُعالجات الفلسفية. لا شيء من هذه الادعاءات غير علمي ! وكل هذه الادعاءات مؤسسَة حول المبادئ التطورية وكلها مدعومة بأدلة تجريبية كثيرة." ! ويقول في نفس الصفحة كذلك عن رد فعل العلماء التطوريين أمام تلك التحديات للأسف : " غير أنه بعض الأحيان، تتم مواجهة هذه التحديات بنوع من "العداء العقائدي"، الذي يحاول مهاجمة وتفكيك أي انتقاد للمعبد النظري التقليدي باعتباره "طرحاً هزلياً"، وفي كثير من الأحيان يدافع المدافعون عن المفهوم التقليدي بأن "كل شيء على ما يرام" مع النظرية التطورية الحالية التي يرون أنها تسير جنباً إلى جنب مع الإطار المنهجي والتجريبي الذي يحظى باحترامهم في البيولوجيا التطورية بشكلها الحالي. ولكن الحقيقة التي تم تأكيدها مرارا وتكرارا أن الآليات التطورية التي ذكرت في بعض الكتابات السابقة أو الحالية لا تعني بالضرورة أن يتم وضع الهيكل الرسمي للنظرية التطورية ليناسب تلك الكتابات فقط " !ويعيب على التطوريين تهربهم في كل حوار يضيق عليهم الخناق إلى زاوية (الوراثة السكانية)، فيقول في صفحة 3 :“غير أنه قد أصبح من المعتاد في البيولوجيا التطورية أن تقوم بأخذ مفاهيم الوراثة السكانية كتفسير مُميز يصلح لتفسير جميع الظواهر التطورية. هذا الاتجاه يستبعد حقيقة أنه من ناحية لا يمكن تأكيد كل تنبؤات الوراثة السكانية في جميع الظروف، ومن ناحية أخرى يستبعد حقيقة أنه لا تزال هناك ثروة من الظواهر التطورية التي يتم استبعادها ! فعلى سبيل المثال، تتجنب النظرية إلى حد كبير مسألة كيفية نشوء النُظم المعقدة للبنى الحيوية أو وظائف الأعضاء أو تطور السلوك - الذي يصفه الاختلاف التطوري - ، كما أن النظرية لا توفر وسائل كافية لاعتبار العوامل التي ليست جزءا من الإطار الجيني للسكان، مثل التنموية، والنظم النظرية، والتأثيرات البيئية أو الثقافية." المعقدة للبنى الحيوية أو وظائف الأعضاء أو تطور السلوك - الذي يصفه الاختلاف التطوري - كما أن النظرية لا توفر وسائل كافية لاعتبار العوامل التي ليست جزءا من الإطار الجيني للسكان، مثل التنموية، والنظم النظرية، والتأثيرات البيئية أو الثقافية"وفي الصفحة 8 :يتعمد جيرد مولر الإشارة إلى تلاعبات التطوريين بالتكيف ووصفه بـ (التطور الأصغر) لتقديمه كدليل تجريبي إذا طالبهم أحد بدليل تجريبي على التطور ! وذلك في مقابل التهرب من أزمة عدم وجود أدلة فعلية على (التطور الأكبر) أي من نوع إلى آخر أو على مستوى النوع وأعضائه ! يقول :“وهناك نسخة كذلك أكثر تعنتاً من هذه، وهي استخدام حُجة "لقد تم ذكر ذلك من قبل" والتي تسـتخدم لتحويـل أي تحديات تجاه الرؤية التي يتم استقبالها إلى جدال لا ينتهي حول (التطور الأصغر ضد التطور الأكبر)” ويتابع بعدها بقليل :“وبذلك يتم تجاوز مشكلة التعقيد البنائي بشكل أنيق. وفي النهاية، فلا مفر لهؤلاء من محاولة التوصل إلى استنتاج مفاده أن آليات التطور الأصغر تتسق مع التطور الأكبر، على الرغم من أن هذه الآليات ليس لها علاقة تذكر بتطوير الهيكل البنائي للنظرية وتنبؤاتها. القضية الحقيقية هنا هي أن التطور الجيني وحده غير كاف لإعطاء تفسير سببي مناسب لظهور التعقيد في السمات الظاهرية، ناهيك عن جعله جزءاً من شيء غامض يُطلق عليه (التطور الأكبر). ومن ثم، فإن التمييز بين التطور الأصغر والأكبر لن يؤدي إلا إلى محاولة إخفاء المسائل الهامة التي تنشأ عن التحديات الراهنة التي تواجه النظرية التطورية القياسية” !وفي النهاية : ما أصدق مقالة بروفيسور الكيمياء الشهير فيليب سكال Philip Skell (أبو كيمياءالكربين) Father of carbene chemistry  والتي سخر فيها  بشدة من حشر أنف كلمة (التطور) اليوم في أي بحث علمي أكاديمي ليتم قبوله في الأوساط العلمية والمجلات ! المقال بعنوان : “لماذا نتمسح في داروين”.[6]   

 

 

المراجع :

 

[1] فيديو كلمته التي ألقاها :

 https://www.youtube.com/watch?v=UeqEBrnai4s

[2] المصدر :

 Franklin M. Harold, 2001 – The way of the cell: molecules, organisms and the order of life - Oxford University Press, NewYork p. 205

[3] الرابط :

 https://www.timeshighereducation.com/features/neo-darwinism-has-failed-as-an-evolutionary-theory/98152.article

[4] فيديو مترجم يتحدث عنه :

 https://www.youtube.com/watch?v=ufg2LLrFwqY

 

[5] رابط تنزيل PDF للكلمة :

http://rsfs.royalsocietypublishing.org/content/royfocus/7/5/20170015.full.pdf

[6] رابط المقال :

http://mobile.the-scientist.com/article/16649/why-do-we-invoke-darwin